الإجراءات القانونية لرفع دعوى تعويض عن حادث سير


حوادث السير تُعد من أكثر الحوادث انتشارًا وخطورة، وتخلف في كثير من الأحيان خسائر مادية وجسدية ونفسية جسيمة. وفي مثل هذه الحالات، يكون التعويض القانوني هو السبيل العادل لجبر الضرر، سواء كنت سائقًا، راكبًا، أو حتى أحد المارة. لكن الحصول على هذا التعويض يتطلب اتباع مجموعة من الإجراءات القانونية الدقيقة، التي تبدأ من لحظة وقوع الحادث ولا تنتهي إلا بصدور حكم قضائي أو اتفاق ودي. في هذا المقال، سنستعرض بالتفصيل الخطوات القانونية لرفع دعوى تعويض عن حادث سير، ودور المحامي في تسهيل هذه العملية وضمان حصول الضحية على حقه الكامل.


أولاً: التصرف السليم لحظة وقوع الحادث

قبل الحديث عن الدعوى، من الضروري الإشارة إلى أن الخطوة الأولى للحصول على تعويض ناجح تبدأ من مكان الحادث. وهنا يجب اتخاذ الإجراءات التالية:

  • الاتصال بالشرطة أو الدرك الملكي: لتحرير محضر معاينة رسمي يحتوي على تفاصيل الحادث، وتحديد المسؤولية الأولية.

  • طلب سيارة إسعاف إذا لزم الأمر: ونقل المصاب إلى أقرب مستشفى.

  • الحصول على شهادة طبية أولية: تُعتبر هذه الوثيقة أساسية في إثبات الضرر الجسدي.

  • أخذ صور لمكان الحادث: تشمل السيارة، الشارع، إشارات المرور، آثار الحادث…

  • تبادل المعلومات: كأرقام التأمين، أرقام السيارات، أسماء الشهود إن وجدوا.

كل هذه المعطيات تُشكل عناصر قوة في ملف التعويض، وهي ما يعتمد عليه المحامي لاحقًا في بناء الدعوى.


ثانيًا: تقديم شكاية رسمية أو متابعة جنائية

في حال كان الحادث يتضمن إصابة جسدية أو وفاة، يمكن رفع شكاية جنائية ضد السائق المسؤول. وهذه الخطوة تتم غالبًا عبر:

  • النيابة العامة: بتقديم شكاية ضد الفاعل، خاصة إذا وُجدت شبهة تهور أو عدم احترام لقانون السير.

  • المحكمة الابتدائية: في حال كانت الأضرار مادية فقط، يمكن الاكتفاء بدعوى مدنية مباشرة.

وفي كلتا الحالتين، يكون وجود محامي متخصص ضروريًا، إذ يعمل على توجيه الشكوى بالشكل الصحيح، وتكييف الحادث قانونيًا (هل هو جنحة؟ مخالفة؟…).


ثالثًا: شهادة العجز الطبي – وثيقة حاسمة في تحديد قيمة التعويض

بعد تلقي العلاج، يخضع المصاب لكشف طبي من طرف طبيب معتمد، والذي يُحدد:

  • عدد أيام العجز المؤقت

  • درجة العجز الدائم (إن وجدت)

  • مدى تأثير الإصابة على حياة المصاب المهنية أو الشخصية

هذه الشهادة تُعتبر حجر الزاوية في تقدير قيمة التعويض. فكلما زادت نسبة العجز، زادت قيمة التعويض المادي الذي يُمكن المطالبة به أمام القضاء أو لدى شركة التأمين.


رابعًا: دعوى التعويض – المسطرة القانونية أمام المحكمة

لرفع دعوى تعويض، يتبع المحامي الإجراءات التالية:

  1. إعداد الملف القانوني: يضم الوثائق التالية:

    • محضر الشرطة أو الدرك

    • شهادة العجز

    • فواتير العلاج

    • صور الحادث

    • شهادة الشهود (إن وُجدوا)

    • عقد التأمين

  2. رفع الدعوى أمام المحكمة المختصة: وعادةً ما تكون المحكمة الابتدائية في الدائرة التي وقع بها الحادث.

  3. تحديد الجهة المدعى عليها:

    • السائق المسؤول

    • شركة التأمين

    • أو الطرفين معًا، بحسب طبيعة الملف

  4. تقدير التعويض المالي: يُحدد بناء على العجز، الأضرار، الأجر الشهري للمصاب، مصاريف العلاج، وحتى المعاناة النفسية.


خامسًا: دور المحامي في رفع الدعوى ومتابعتها

المحامي لا يكتفي فقط بصياغة الدعوى، بل يلعب دورًا حيويًا في:

  • تحليل ملف الحادث وتحديد المسؤوليات القانونية

  • تقدير التعويض المناسب بناءً على النصوص القانونية والاجتهادات القضائية

  • الترافع أمام المحكمة دفاعًا عن حقوق الضحية

  • التفاوض مع شركة التأمين للوصول إلى اتفاق مرضٍ دون اللجوء للمحكمة إن أمكن

  • متابعة التنفيذ بعد الحكم، والتأكد من حصول موكله على التعويض فعليًا


سادسًا: التعويض من شركات التأمين – إجراءات موازية

أحيانًا، يمكن للمصاب المطالبة بالتعويض مباشرة من شركة التأمين دون اللجوء إلى المحكمة، خاصة في الحالات التي:

  • تكون فيها المسؤولية واضحة

  • لا توجد إصابة خطيرة أو وفاة

  • يكون هناك تأمين إجباري يغطي المسؤولية المدنية

الإجراءات:

  • تقديم الملف كاملاً لشركة التأمين

  • انتظار الرد في أجل لا يتجاوز 60 يومًا

  • في حال الرفض أو التأخير، يُمكن مقاضاة شركة التأمين أمام المحكمة


سابعًا: متى تُرفض دعاوى التعويض؟

ليست كل دعاوى التعويض ناجحة، فقد تُرفض إذا:

  • لم يتم إثبات الضرر بوثائق طبية معتمدة

  • لم يتم إثبات العلاقة السببية بين الحادث والضرر

  • تبيّن أن المصاب هو المتسبب الوحيد في الحادث (في بعض الحالات)

  • وجود خطأ جسيم من الضحية أدى إلى وقوع الحادث

هنا، يأتي دور المحامي في تفادي هذه الثغرات، وتقديم الملف بأقوى صيغة قانونية ممكنة.


ثامنًا: هل يمكن الجمع بين دعوى جنائية ومدنية؟

نعم. في كثير من الحالات، يتم اللجوء إلى دعوى جنائية ضد السائق، ودعوى مدنية موازية للمطالبة بالتعويض. ويمكن للقاضي الجنحي أن يحكم بالتعويض مباشرة ضمن نفس الملف، أو يُحال الملف إلى المحكمة المدنية المختصة لتحديد قيمة التعويض بشكل منفصل.


نصائح قانونية مهمة بعد الحادث

  1. لا تغادر مكان الحادث إلا بعد حضور الشرطة.

  2. لا تُهمل الحصول على شهادة طبية فورًا بعد الإصابة.

  3. لا توقّع على أي تنازل أو وثيقة من شركة التأمين دون استشارة محامٍ.

  4. لا تتفاوض وحدك إذا لم تكن متمكنًا قانونيًا.

  5. لا تؤجل رفع الدعوى، فهناك آجال قانونية للتقادم (غالبًا سنتان من تاريخ الحادث).


خاتمة

حادث السير قد يحدث في لحظة، لكنه يترك أثرًا طويل الأمد على حياة الضحية. لذلك، فإن معرفة الإجراءات القانونية الدقيقة وطلب المساعدة من محامٍ مختص هما الخطوتان الأساسيتان لضمان الحصول على تعويض عادل. لا تترك حقوقك تضيع بسبب الجهل أو التسرع، واستعن بذوي الاختصاص لحمايتك قانونيًا وإنسانيًا.

لا تعليق

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *